سورة الحجرات - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


الطائفة: الجماعة اقل من الفِرقة. فأصلحوا بينهما: بأية طريقة: بالنصيحة، بالتفاوض، بالتهديد، بكل وسيلة. فإن بغتْ: فان تعدت وجارت. تفيء: ترجع. أمر الله: الصلح فأصلحوا بينهما بالعدل: بازالة آثار القتال والخلاف، وبضمان ما تلف بحيث يكون الحكم عادلا. وأقسطوا: واعدلوا. الاخوة: في النسب، وقد جعلت الاخوة في الدين كالاخوة في النسب. والاخوان: في الصداقة.
في هاتين الآيتين تشريعٌ عملي عظيم لصيانة المجتمع الاسلامي، وحمايته من الخصام والتفكك والتمزق. فبعد أن حذّر الله تعالى من النبأ الصادر عن الفاسق، وحثّ على التوثق من مصادر الأخبار، وعدم العَجلةِ والاندفاع وراء الحَمِيّة والحماسة الطائشة قال: إن حصل أن اقتتلتْ طائفتان من المؤمنين فإن على المؤمنين ان يقوموا بالاصلاح بينهما. فان تعدت احدى الطائفتين على الاخرى ولم تقبل الصلح، فعليهم ان يقاتلوا تلك التي تتعدى حتى ترجع إلى حكم الله. فان قبلت الصلح ورجعت إلى حكم الله، فأصلِحوا ايها المؤمنون بينهما بالعدل والانصاف حتى لا يتجدد القتال مرة اخرى.
ثم امرنا الله تعالى بالعدل في كل الأمور فقال: {وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين}
واعدِلوا ايها المؤمنون بين الناس جميعا في كل الأمور، ان الله يحب العادلين في جميع اعمالهم.
انما المؤمنون بالله ورسوله إخوةٌ جَمَعَ الايمانُ بين قلوبهم ووحّدهم. وفي الحديث الصحيح: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسْلمه، ولا يَعيبُه، ولا يخذُله» فأصلحوا بين اخويكم رعايةً لأخوة الايمان، {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حتى يرحمكم، لتكونوا إخوة على الحب والسلام والتعاون والوحدة في مجتمعكم، وبذلك تكونون أقوياء أعزاء تحت راية الاسلام.
قراءات:
قرأ يعقوب: {فاصلحوا بين اخوتكم}، بالجمع. والباقون: {بين أخَويكم} بالتثنية.
فان قاتلَ جماعة المؤمنين الفئةَ التي لم تقبل الصلح، فإنه لا يجوز ان يُجهز على جريح، ولا يقتل اسير، ولا يجوز ان يُتعقّب من هرب وترك المعركة، ولا تؤخذ اموال البغاة غنيمة، لأن الغرضَ من قتالهم ردُّهم إلى صفّ المؤمنين، وضمُّهم إلى لواء الأخوّة الاسلامية.


لا يسخر قوم من قوم: لا يحتقر احد منكم أخاه بذكر عيوبه واظهار نقائصه. يقال سخر به ومنه، هوئ به ومنه. القوم: شاع اطلاقه على الرجال دون النساء. ولا تلمزوا انفسكم: لا يعيب احد منكم اخاه، وعبّر بأنفسكم كأنهم جميعا نفسٌ واحدة فاذا عابَ المؤمن أخاه المؤمنَ كأنه عاب نفسَه.
يريد الله تعالى ان يكون المجتمع الاسلامي مجتمعاً فاضلا، فأدّبنا بهذا الأدب الرفيع، فلكل إنسان كرامتُه، وهي من كرامة الجميع، فإذا حصل ضرر لأي فرد فانه ضرر للناس كلهم. لذلك ينهى الله تعالى ان يسخَرَ رجالٌ من رجال آخرين لعلّهم خير منهم عند الله، أو نساء من نساءٍ لعلّهن خير منهن عند الله.
{وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ}
لا يعب بعضُكم بعضا بقول أو إشارة على وجه الخفية، فانكم أيها المؤمنون كالجسدِ الواحد ان اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وهذا حديث صحيح رواه مسلم.
{وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب}
ولا يدعو بعضكم بعضاً بالألقاب المستكرَهة، ولا تدعوا احدا بما لا يحبّ من الألقاب القبيحة.
اما الألقاب اللطيفة التي تدل على معانٍ حسنة فلا مانع من استعمالها كما قيل لأبي بكر عتيق، ولعمر بن الخطاب: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين إلخ..
{بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان}
بئس الاسم ان تُسمَّوا فاسقين بعد أن تكونوا مؤمنين. ومن لم يتبْ ويرجع عما نهى الله عنه فأولئك هم الظالمون الذين ظلموا أنفسَهم وغيرهم بعصيانهم أوامر الله.


اجتنبوا: ابتعِدوا. الاثم: الذنب. ولا تجسّسوا: اصلها تتجسسوا بتائين: لا تبحثوا عن عورات الناس ومعايبهم. الغيبة: ذِكر الإنسان بما يكره في غيابه.
في هذه الآية الكريمة أدبٌ رفيع للمؤمنين حتى يعيشوا في مجتمع فاضل، تكون فيه حرياتُهم مكفولة، وحقوقهم محفوظة، فلا يؤخذون بالظن، ولا يحاكَمون بريبة، فالإنسان بريء حتى يثبت عليه الجرم.
روى الطبراني عن حارثة بن النعمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذا ظننتَ فلا تحقّق» وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: «لا تظننّ بكلمة خرجتْ من أخيك إلا خيرا، وانتَ تجدُ لها في الخير محملا».
يا ايها الذين آمنوا: ابتعِدوا عن كثير من ظنّ السوء بالناس، إن بعض الظن إثمٌ يستوجب العقوبة. وهذا تهذيبٌ رفيع لنا يرفع من مستوى مجتمعنا، ويديم الوئامَ والمودة بيننا، ويزيد توثيقَ رباط المجتمع الاسلامي الفاضل قُوةً ومنعة.
{وَلاَ تَجَسَّسُواْ}
وهذا أمر ثانٍ من أوامر الله العليا يُبعدنا فيه عن الاعمال الدنيئة، لتطهير قلوبنا ونظافة اخلاقنا، حتى يكفُلَ حرياتِ الناس وحرماتِهم وكرامتهم، التي لا يجوز ان تُنتهَك ولا تمسّ بحال من الاحوال. فما دام الإنسان في بيته قد ستر نفسه عن الناس فلا يجوز لنا ان نتتبّع عوراتِه، ولا البحث عن سرائره، لأن الإسلام يريد ان يعيش الناس آمنين على أنفسهم مطمئنين في بيوتهم، ولنا الظواهُر، ولا يجوز لنا أن ن تعقب بواطن الناس وما أخفوه.
قال عبد الرحمن بن عوف: حرستُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالمدينة، إذ تبين لنا سراجٌ في بيتٍ بابه مغلقٌ على قوم لهم اصوات مرتفعة ولَغَط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن يشربون، فما ترى؟ قلت: أرى أنّا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} وقد تجسّسنا. فانصرفَ عمر وتركهم.
وفي الحجيث الصحيح: «من ستر عورةً فكأنما استحيا موْؤدة من قبرِها» رواه أبو داود والنسائي.
وفي الحديث أيضا عن سفيان الثوري عن معاوية بن أبي سفيان: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «انك إن اتبعت عوراتِ الناس أفسدتَهم أو كِدتَ تفسدهم» رواه أبو داود.
{وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}
ولا يذكرْ بعضكم بعضا بما يكره في غيبته ولو بإشارة أو نحو ذلك، لما في ذلك من اذى للناس. والمراد بما يكره: ما يكرهه في دينه أو دنياه أو خلُقه أو خلْقه أو ماله أو ولده أو زوجته وفي كل ما يؤذيه.
قال الحسن البصري: الغيبة ثلاثة اوجهٍ كلّها في كتاب الله: الغيبة، والافك والبهتان.
فأما الغيبة: فهي ان تقول في أخيك ما هو فيه. واما الافك: فان تقول فيه ما بلغك عنه وقد يكون ذلك غير صحيح. واما البهتان: فان تقول فيه ما ليس فيه. والغيبة من الجرائم الكبيرة، والذي يريد التوبة منها عليه ان يستغفر لمن اغتابه، أو يذهب اليه ويطلب العفو منه.
ولبشاعة الغيبة، وكراهتها يعبّر عنها الله تعالى بهذا التعبير العجيب للتنفير منها والبعد عن إيذاء الناس فيقول: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}
تصوروا هذا التمثيلَ الفظيع الذي تتأذى منه النفوس. وقد وردتْ أحاديثُ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنفر المسلمين من الغيبة، ليرفع الله من نفوسهم ويطهرها، ويبني مجتمعا طاهرا مثاليا.
واستثنى العلماء من تحريم الغيبة، الملحدَ في الدين، والحاكمَ الجائر، والفاسقَ المجاهِر بالفسق، وتجريحَ الشاهد عند القاضي، والمتظلّمَ في أمر هام، وراوي حديث الرسول الكريم، {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: 148].
ثم بعد ذلك يأتي تعبير لطيف {واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} بابُه دائماً مفتوح للتوبة، وهو مع كل ما يأتيه الناس من مخالفات ومعاصي رحيم يقبل التوبة فلا تقنطوا من رحمة الله.
قراءات:
قرأ يعقوب: {ميتا} بتشديد الياء. والباقون: {ميتا} باسكان الياء.

1 | 2 | 3